في الوقت الذي يشجعنا فيه الإسلام على الحوار مع الآخر وبالذات أهل الكتاب ومجادلتهم بالتي هي أحسن, وفي الوقت الذي يدعونا القرآن لعدم التهجم بالسباب على ما يعبد الآخرين فيسبوا الله عدوا بغير علم. وفي حين يلزم الإسلام أتباعه بالإيمان بالكتب السماوية وبالأنبياء جميعهم عليه صلوات الله وسلامه. نجد أن الآخرين يحملون للإسلام وللمسلمين مشاعر من البغض والكراهية بدت جلية من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر.
وحتى أخرج من التعميم والتوصيف إلى الحوادث والشواهد, سأستعرض بعضا من مواقف الفاتيكان باتجاه الإسلام والمسلمين والتي تكشف بجلاء طريقة التفكير والمشاعر التي يحملونها تجاهنا. مع التشديد على أن هذه أخبار متفرقة ولم تكن رصدا دقيقا ومع ذلك فإنها تعطي بعدا واضحا.وللتذكير فإن موضوع التنصير والإمكانيات المادية الضخمة المرصودة له في بلاد المسلمين والتي يقف وراءها الفاتيكان تحتاج إلى موضوع منفصل لن يشمله هذا المقال المختصر.
·نقلت رويترز في مايو 2004 خبرا جاء فيه أن الفاتيكان دعا الكاثوليكيات إلى التفكير مرتين قبل الإقدام علي الزواج من مسلمين، وحذرهن من المشاكل التي يثيرها أقارب الزوج، ودعاهن لتعميد أطفالهن. وحث الفاتيكان المسلمين علي إظهار مزيد من الاحترام لحقوق الإنسان والمساواة بين الجنسين والديمقراطية. ووصف الفاتيكان المرأة بأنها الأقل حماية في الأسرة المسلمة, متحدثا عن التجارب المريرة التي عاشتها كاثوليكيات غربيات مع أزواج مسلمين.
·البابا السابق يوحنا بولس الثاني اعتذر لجميع ضحايا الحروب والهجمات من يهود ومسيحيين من المذاهب الأخرى والتي شنها الكاثوليك عليهم في غابر التاريخ, إلا أنه امتنع وبإصرار عن الاعتذار للمسلمين والذين كانوا ضحايا حروب صليبية واسعة وطويلة.
·في أول قداس له –إبريل 2005- عقب انتخابه بابا للفاتيكان خلفاً لسلفه يوحنا بولس الثاني أعلن بنديكت السادس رفضه التام لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوربي, قائلا: إن "السماح لدولة إسلامية بالدرجة الأولى بالانضمام إلى النادي الأوربي سيكون خطأ ضخماً". أليس من العجيب أن تشمل موعظة البابا الأولى موقفا سياسيا فيما الدين المسيحي هو دين أخلاق وتسامح وليس دين ودولة كما الحال في التشريع الإسلامي؟
·في محاضرة للبابا بنديكت السادس عشر في جامعة ريجينسبورج الألمانية في 12 سبتمبر 2006, أورد البابا نصامنسوبا لإمبراطور بيزنطي يقول فيه لمحاوره المسلم "فقط أرني ما أتى به محمد وجاء جديدا، عندها ستجد فقط ما هو شرير ولا إنساني، كأمرهنشر الدين الذي نادى به بالسيف", في سياق يفهم توافق البابا معه.
·حذر جورج جاينزفاين السكرتير الخاص للبابا بنديكت السادس عشر في مقابلة له مع مجلة سودويتشه تساينتوج الألمانية –يوليو 2007- مما وصفه بـ"أسلمة الغرب"، قائلا: "لا يجب إغفال محاولات أسلمة الغرب"، محذرا أوروبا منتجاهل جهود إدخال القيم الإسلامية في الغرب، وهو ما يمكن أن "يهدد هوية القارة" على حد زعمه. وتابع قائلا: "الاحترام القائم على تصور خاطئ يجب ألا يكون الدافع لتجاهل الخطر المرتبط بذلك على هوية أوروبا". وقال جاينزفاين إن كلمة البابا العام الماضي –والتي هاجم فيها الرسول صلى الله عليه وسلم- "كان يجب أن تبدد أي فهم ساذج عن الإسلام".
·في ديسمبر 2007، حذر بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر من انحسار الهوية المسيحية لأوروبا في ظل انخفاض معدل المواليد وزيادة عدد المهاجرين المسلمين، مدافعا خلال خطاب ألقاه في قداس أقيم بالعاصمة النمساوية عما اعتبره "حق الكنيسة الكاثوليكية في نشر رسالتها التبشيرية" بين غير المسيحيين وأصحاب المذاهب المسيحية الأخرى، وبذل الجهد في سبيلها حتى الموت.
·عمّد البابا بنديكت السادس عشر –مارس 2008- مجدي علام الصحافي ألايطالي الجنسية المصري الأصل المثير للجدل, والذي اختار طريقا ملفتا للنظر وهو الأقصر للوصول في الغرب إلى ساحات المجد الزائفة: الإشادة بإسرائيل والتهجم الرخيص على الإسلام, فألف كتابين "تحيا إسرائيل" و"صهيوني مسلم".علام زار "إسرائيل" مرارا, وزار فيها منذ عامين متحف ضحايا النازية "ياد فاشيم" وهناك وصفهم بضحايا الإنسانية، وعلى إثرها منحته الحكومة "الإسرائيلية" جائزة "دان ديفيد" الصحفية وقيمتها مليون دولار. تعميد البابا لم يكن حدثا دينيا بل هو بامتياز مزيج من السياسة والإعلام وبنكهة استفزازية.
·في إبريل الماضي زار البابا الولايات المتحدة, وشمل برنامجه زيارة البيت الأبيض وموقع برجي التجارة. في البيت الأبيض قال البابا إن "أميركا أظهرت على الدوام كرما بتلبية الحاجات الإنسانية الملحة ودعم التنمية وإغاثة ضحايا الكوارث الطبيعية".المتحدثة باسم البيت الأبيض دانا بيرينو قالت إن الجانبين سيناقشان ما وصفته بـ"قيمهما المشتركة" حول حقوق الإنسان، و"أهمية مكافحة الإرهاب والمتطرفين خصوصا في الشرق الأوسط". وفي خطابه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة قال البابا أنه من واجب كل دولة أن تحمي شعبها من الانتهاكات الخطيرة والمتكررة لحقوق الإنسان، وإذا كانت غير قادرة على توفير حماية مماثلة، فمن واجب المجتمع الدولي أن يتدخل بالوسائل القانونية التي نصت عليها شرعة الأمم المتحدة وبأدوات دولية أخرى. البابا زار موقع برجي التجارة في نيويورك حيث وصل في سيارة مكشوفة، ثم ركع على سجادة تحمل علمي الفاتيكان الأصفر والأبيض وأدى الصلاة بالانكليزية سائلا الله أن يجلب "السلام إلى عالم عنيف" وأن "يعيد إلى درب المحبة من التَهَمَ الكرهُ قلوبَهم وعقولَهم". مما يجدر ذكره أن عددا من قادة المسلمين الأمريكيين اعتذروا عن حضور عشاء خاص مع البابا شمل مدعويين من مختلف الجماعات الدينية احتجاجا عن عدم عقد البابا لاجتماع خاص مع قادة المسلمين خلال زيارته رغم لقائه مع قيادات من الديانات البوذية والهندوسية واليهودية.
·الكاردينال جان لويس توران المسؤول المختص بشؤون الإسلام في الفاتيكان ذكر في مقابلة مع صحيفة لا كروا الكاثوليكية أن المسلمين لا يقبلوا أن يناقش أحد القران بعمق لأنهم يقولون انه كتب بإملاء من الله. وأضاف "مع هذا التفسير الجامد يكون من الصعب مناقشة فحوى الدين". كما نقلت عنه صحيفة الجارديان البريطانية –مايو 2008- طلبه من المسلمين إلغاء الجهاد، رافضًا في الوقت ذاته الاعتراف "بأن القرآن كلام الله" . توران انتقد علماء المسلمين بقوله: "بينما يُدين أغلب رجال الدين المسلمين الأعمال الإرهابية، فإنهم في حاجة ليتخذوا موقفًا أكثر وضوحًا بشأن الجهاد الذي تكرر ذكره كثيرًا بالقرآن".
·الكاردينال جان لويس توران صرح في شهر يوليو الماضي بأن العالم "مهووس" بالإسلام. وأضاف أنه لا يريد أن يتنامى الانطباع بأن الأديان ذات وضع طبقي أو أن هناك دين أفضل من آخر. وقال توران "إن الإسلام مهم للغاية ولكن هناك أيضا ديانات آسيوية عظيمة أخرى، والإسلام دين واحد، بالفعل إن الناس مهووسون بالاسلام". وتابع قائلا انه سيسافر للهند قريبا حيث سيوجه رسالة مفادها أن جميع الأديان متساوية.
·لدى تسلمه أوراق اعتماد السفير "الإسرائيلي" لدى الفاتيكان مردخاي لوي، وهو الخامس منذ إقامة العلاقات بين الدولة العبرية والفاتيكان في العام 1994, أعرب بابا الفاتيكان بنديكت السادس عشر، عن أمنياته الصادقة بمناسبة "الذكرى الستين لإقامة دولة إسرائيل"، "شاكرا الرب لامتلاك اليهود أرض أجدادهم".