الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين ، وخيرة الخلق أجمعين ، نبينا وسيد ولد آدم ، محمد وعلى آله وصحبه الطيبين الطاهرين ، وبعد :
فإن أعظمَ نعمة أنعمها الله على العالمين ، بعثتُه المرسلين لبيان حَقّ رَبّ العباد أجمعين ، (فَبَعَثَ اللهُ النَّبِيِّيْنَ مُبَشِّرِيْنَ وَمُنْذِرِيْنَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الكِتَابَ بِالَحقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيْمَا اخْتَلَفُوْا فِيْهِ مِنَ الَحقِّ بِإِذْنِهِ وَاللهُ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيْمٍ) ، (رُسُلاً مُبَشِّرِيْنَ وَمُنْذِرِيْنَ لِئَلَّا يَكُوْنَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ) .
فكان أعظم الناس حَظًّا ، وأتمَّهم سعادةً مَنْ آمن بهم ونصرهم وعزَّرهم ، وكان أشقى الناس وأتعسهم مَنْ كفر بهم ، وقاتلهم ، وأستهزأ بهم وبما جاءوا به . قال سبحانه : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِنْ قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِيْنَ كَفَرُوْا ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ). وقال : (وَمَا نُرْسِلُ الُمرْسَلِيْنَ إِلَّا مُبَشِّرِيْنَ وَمُنْذِرِيْنَ فَمَنْ آمَنَ وَأَصْلَحَ فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُوْنَ . وَالَّذِيْنَ كَذَّبُوْا بِآيَاتِنَا يَمَسُّهُمُ العَذَابُ بِمَا كَانُوْا يَفْسُقُوْنَ) .
وأوجب سبحانه وتعالى لأنبيائه ورسله الكرام حقوقا عظيمة على أُمَـمِهم ، مِنَ الاتِّباع والسمع والطاعة والمحبة فوق محبة النفس والمال والوالد والولد ، والنصرة والتعزير والتوقير والتصديق والتعظيم .
ثم جعل أعظمهم حَقًّا ، وأتمَّهم قَدْرًا ، سيد الثقلين ، وخيرة الأولين والآخرين ، خليله وكليمه ، محمد بن عبد الله صلى الله عليه وعلى آله أتم صلاة وأتم سلام .
وأخبر عباده المؤمنين بأن نبيه محمدا له عنده المقام المحمود المُعظَّم ، وأنه خليله المُكرَّم ، وصفيه الُمكلَّم ، أُعرج به إليه ، وسمع من ربه كلامه وما أُوحيَ عليه ، وأنه شفيع العباد يوم المعاد ، وأنه شفيعهم يومئذ عند امتناع الأنبياء والرسل عن الشفاعات ، واعتذارهم ببعض الأمور والزَّلَّات ، فيقوم بين يدي ربه داعيا متضرعا ذليلا ، فَيُكْرِمُ رَبُّهُ مقامَهُ عنده ، ويقول له أمام أنبيائه وسائر خلقه « ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَسَلْ تُعْطَ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ » .
وأخبر سبحانه عبادَهُ مُـمْتَنًّا عليهم ببعثتِه إيَّاه لهم : أنه على خلق عظيم ، وأنه رؤوف بهم ورحيم ، يُعْنِتُهُ ما يُعْنِتُهُمْ ، ويَسُرُّهُ ما يَسُرُّهُمْ ، فما دعى لهم إلا بالهداية والرشاد ، وإنْ تمادوا عليه بالتكذيب والعناد .
وأخبر أنه صلى الله عليه وسلم أولى من المؤمنين بأنفسهم ، فَمِنْ حَقِّهِ أَنْ يُوقى بالأنفس والأموال ، وأَنْ يُقَدَّمَ على كُلِّ حال ، كما قال سبحانه : ( مَا كَانَ لِأَهْلِ الَمدِيْنَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوْا عَنْ رَسُوْلِ اللهِ وَلَا يَرْغَبُوْا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ ) .
فَعُلِمَ أَنَّ رغبة الإنسان بنفسه أَنْ يصيبَهُ ما يصيب رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من المشقة معه حرام .
ومِنْ حَقِّهِ صلى الله عليه وسلم : أن يكون أحبَّ إلى المؤمن من نفسه وولده وجميع الخلق ، كما دَلَّ على ذلك قوله تعالى : (قُلْ إِن كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَآؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُم مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُواْ حَتَّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ) .
وقال صلى الله عليه وسلم :«لا يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ حَتَّى أَكُوْنَ أَحَبَّ إِلَيْهِ مِنْ وَلَدِهِ وَوَالِدِهِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِيْنَ» أخرجاه في«الصحيحين» .
فصلى الله عليه صلاة دائمة ما دامت السموات والأرض ، وسَلَّمَ عليه سلامًا ما تعبَّد اللهَ المؤمنون بنفل أو فَرْض .
فَصْلٌ
ثم إني قد اطلعتُ قبل أيام على ما نشرته صحيفة « يولاند بوستن » ( Jyllands-Posten ) الدنماركية ، يوم الجمعة ( 26/8/1426هـ -30/9/2005م ) من طعن في النبي صلى الله عليه وسلم ، واستهزاء به وإلحاد ، بنشرهم اثني عشر رسما كاريكوتيرا ساخرا بالنبي صلى الله عليه وسلم ، واستمرت في نشره أسبوعا بعد ذلك ! ثم أعادت عدة صحف أوروبية نشر هذه الرسوم هذا الشهر والذي قبله مرَّة أخرى .
وفي هذا محادَّةٌ لله ورسولِه صلى الله عليه وسلم ، ومحاربةٌ وإيذاءٌ ، وقد قال جَلَّ وعلا في المؤذين له ولرسله : (إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُّهِيناً) .
وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ فِي الأَذَلِّينَ . كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) ، وقال : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ كُبِتُوا كَمَا كُبِتَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَقَدْ أَنزَلْنَا آيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَلِلْكَافِرِينَ عَذَابٌ مُّهِينٌ) .
وقال تعالى : (أَلَمْ يَعْلَمُواْ أَنَّهُ مَن يُحَادِدِ اللّهَ وَرَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نَارَ جَهَنَّمَ خَالِداً فِيهَا ذَلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ) .
وقد أوجب الله جَلَّ وعلا على المسلمين كافَّة حقوقا وواجبات في شأن الُمعادين له ولرسله صلى الله عليهم وسلم ، من إيذانهم بالحرب والعداوة والبغضاء .
وجعل حكم سَابِّ رسوله صلى الله عليه وسلم القتل ، سواء كان مسلما أو كافرا ، تاب من سَبِّهِ أم استمر في غَيِّهِ ، بل حتى لو كان السّاب كافرا فأسلم لم يعصم ذلك دمَهُ ، وإنْ قُبِلَ منه إسلامُه ، لذلك يُقتل دون استتابة .
وقد قَرَّرَ هذا كُلَّهُ شيخُ الإسلام أبو العباس أحمد ابن تيمية رضي الله عنه أتمَّ تقرير في كتابه العظيم الكبير «الصارم المسلول ، على شاتم الرسول صلى الله عليه وسلم » ، واستدلَّ عليه بأدلة كثيرة من الكتاب والسنة والإجماع ، وساق فيها ما لا يستطاع دفعه .
قال شيخ الإسلام في أوله (ص3) : (المسألة الأولى : أن مَنْ سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم من مسلم أو كافر : فإنه يجب قتله . هذا مذهب عليه عامة أهل العلم ، قال ابن المنذر :«أجمع عوام أهل العلم على أن حَدَّ مَنْ سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم القتل» ) .
وقد حكى الإجماع غير واحد من الأئمة ، منهم أبو بكر الفارسي من أصحاب الشافعي ، وإسحاق بن راهوية ، والخطابي ، ومحمد بن سحنون .
وقال (ص253) : (المسألة الثانية : أنه يتعين قتلُه ، ولايجوز استرقاقُه ، ولا المَنُّ عليه ولا فداؤه) .
وقال (ص300) : (المسألة الثالثة : أنه يُقتل ولا يُستتاب ، سواء كان مسلما أو كافرا . قال الإمام أحمد في رواية حنبل :«كل مَنْ شتم النبي صلى الله عليه وسلم وتنقَّصه مسلما كان أو كافرا : فعليه القتل ، وأرى أَنْ يُقتل ولا يُستتاب » ) .
ثم قال : ( وقال عبد الله : سألت أبي عَمَّنْ شتم النبي صلى الله عليه وسلم يستتاب ؟ قال :«قد وجب عليه القتل ولا يستتاب ، خالد بن الوليد قتل رجلا شتم النبي صلى الله عليه وسلم ولم يستتبه » ) .
ثم قال (ص301) : (وقال القاضي في«خلافه» وابنُه أبو الحسين : «إذا سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم قُتل ، ولم تقبل توبتُه ، مسلما كان أو كافرا ، ويجعله ناقضا للعهد ، نَصَّ عليه أحمد») .
ثم قال (ص303) : ( وقد صرح بذلك جماعة غيرهم ، فقال القاضي الشريف أبو علي بن أبي موسى في«الإرشاد» وهو ممن يُعتمد نقلُه :«ومَنْ سَبَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم قُتل ، ولم يُستتب ، ومَنْ سَبَّهُ من أهل الذمة قُتل ، وإِنْ أَسْلَمَ» .
وقال أبو علي بن البَنَّاء في«الخصال والأقسام» له : «ومَنْ سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم وَجَبَ قتلُه ، ولا تُقبل توبتُه ، وإن كان كافرا فأسلم فالصحيح من المذهب أنه يُقتل أيضا ، ولا يستتاب » قال : « ومذهب مالك كمذهبنا » ) .
فَصْلٌ
ولما كان هذا متعذرا اليوم على المسلمين لضعفهم وتفرقهم أَنْ ينالوا من أعدائه والمستهزئين برسله ، ولتسلط أعدائهم عليهم بذنوبهم : كان الواجب على كُلِّ مسلم في هذا بقدره وبحسبه ، إعذارا إلى الله وبراءةً منهم إليه . قال سبحانه (لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا) ، وقال : (فَاتَّقُوْا اللهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم : « إِذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوْا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ » .
لذا فالواجب اللازم على المسلمين اليوم : إنكارُ هذا المنكر العظيم ، كُلٌّ بما خَوَّلَهُ الله وولَّاهُ ، فالواجب على ولاة أمور المسلمين قَطْعُ صِلَتِهم بهذه الدولة الُمحادَّة . والواجب على عموم المسلمين تجارا وغيرهم مقاطعة سلعهم وبضائعهم . ليذوقوا وبال أمرهم ، وليحصل بين شركاتهم وتجارهم وعموم شعبهم وبين حكومتهم الراضية بما نُشِرَ شقاقٌ ونزاعٌ بسبب جنايتهم عليهم ، قال تعالى : ( لَا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءهُمْ أَوْ أَبْنَاءهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُم بِرُوحٍ مِّنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ) .
وقال : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ) .
وليس لهذه المقاطعة غاية تنتهي إليها ، إلا بمحاسبة تلك الصحيفة ومسؤوليها ، ورسَّامي الرسوم وكُلّ ذي صلة بها ، ومعاقبتهم عقوبة حاسمة رادعة .
أَمَّا ما ينادي به بَعْضُ الُجهَّال ، من أن تكون غايةُ المقاطعة اعتذارَ الحكومة الدنماركية أو الصحيفة : فليس من الحق ولا العقل في شيء ! وحكمٌ لم يشرعه الله ولا رسوله صلى الله عليه وسلم . وهذه الجناية حَقٌّ عظيم لله عزَّ وجلَّ ، ليس لأحد أَنْ يتنازل عنه ، أو يُعلن المسامحة .
قال شيخ الإسلام في «الصارم المسلول» (ص226) : (إن النبي صلى الله عليه وسلم كان له أَنْ يعفو عَمَّن شتمه وسَبَّهُ في حياته ، وليس للأمة أَنْ يعفوا عن ذلك) .
ثم قال (ص293) : ( ومما يوضح ذلك : أنَّ سَبَّ النبي صلى الله عليه وسلم تعلَّق به عدة حقوق : حَقّ الله سبحانه من حيث كَفَرَ برسوله صلى الله عليه وسلم ، وعادى أفضل أوليائه ، وبارزه بالمحاربة ، ومن حيث طعن في كتابه ودينه ، فإن صحتهما موقوفة على صحة الرسالة .
ومن حيث طعن في ألوهيته ، فإنَّ الطعن في الرسول طَعْنٌ في الُمرْسِل ، وتكذيبَه تكذيبٌ لله تبارك وتعالى ، وإنكارٌ لكلامه وأمرِه وخبرِه وكثيرٍ من صفاته .
وتعلَّق به حَقُّ جميع المؤمنين من هذه الأمة ومن غيرها من الأُمم ، فإنَّ جميع المؤمنين مؤمنون به ، خصوصا أمته ، فإن قيام أمر دنياهم ودينهم وآخرتهم به ، بل عامة الخير الذي يصيبهم في الدنيا والآخرة بوساطته وسفارته ، فالسَّبُّ له أعظم عندهم من سَبِّ أنفسهم وآبائهم وأبنائهم وسَبِّ جميعهم ، كما أنه أحبُّ إليهم من أنفسهم وأولادهم وآبائهم والناس أجمعين . وتعلَّق به حَقُّ رسول الله صلى الله عليه وسلم من حيث خصوص نفسه) اهـ .
فلا حَقَّ لأحدٍ قط أَنْ يتنازل عن حَقٍّ ليس له ، ومَنْ تنازل عن شيء من ذلك ، فإنما تنازل عن حَقِّ غيره ، فلا يَصِحُّ تنازلُه ولا يجوز .
كما أَنَّ الواجب على المسلمين أيضا : مُناصرةُ كُلِّ تاجر كريم ، غضب لمحادة أولئك العلوج لله ورسوله صلى الله عليه وسلم - فقطع وارداتهم - بالشِّراءِ منه ، تأييدا له ومناصرة ، وتشجيعا لغيره أَنْ يسلك مسلكَهُ ، وينهجَ نهجه .
فَصْلٌ
وفي هذه المقاطعة أربعة أمور عظيمة مُتحقِّقة ، إِنْ تخلَّفَ أحدُها لم تتخلَّفْ بقيتُها :
1 - أحدها : الإعذار إلى الله عزَّ وجلَّ ، وبَذْلُ ما بالوسع والطاقة في نُصرة شرعه ودينه ، فَإِنَّ هذا واجبٌ لازمٌ ، وليس في أيدينا إلا هذا .
2 - والثّاني : احتساب المُقاطِعِ الأجرَ من الله جَلَّ وعلا في ذلك ، وتعبُّده بهجر مُحادِّيه وأعدائه ، والمجاهرين بذلك والمعلنين .
3 - والثّالث : التنكيل بأعداء الله ، وإذاقتهم بَعْضَ وبالِ أمرهم ، بحيث يكون لهم عقوبة مؤلمة ، ويكون لغيرهم رادعا ، حاميا لحياض المسلمين ودينهم وعرض نبيهم صلى الله عليه وسلم .
قال شيخ الإسلام (ص385) : (وأيضا : فإن السَّابَّ ونحوه ، انتهك حرمة الرسول صلى الله عليه وسلم ، ونقَّص قدرَه ، وآذى الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وعباده المؤمنين ، وأجرأ النفوس الكافرة والمنافقة على اصطلام أمر الإسلام ، وطلب إذلال النفوس المؤمنة ، وإزالة عِزِّ الدين ، وإسفال كلمة الله ، وهذا من أبلغ السعي فسادا) .
4 - والرّابع : إظهاره عِزَّةَ المؤمنين وقوَّتهم ، ونَيْلَهُمْ من أعدائهم ومُتنقّصي رسولهم الكريم صلى الله عليه وسلم ، وإِنْ ضعفتْ حيلتهم عن مقاتلته .
فهذه أربع مصالح عظيمة من مقاطعة أولئك المُحادِّين .
فمَنْ زَعَمَ مِنْ أهل النفاق أَنَّ المقاطعة غير نافعة ، أو أَنَّ نفعَها قليل : أُجِيْبَ بهذا .
وقد ظهر - بحمد الله وفضله - في أيام قلائل ، عظيمُ أثر ما حصل من مقاطعتِهم ، وتألمهم الشَّديد من ذلك ، وانشقاق صفوفهم ، وخوف حكومتهم من العواقب ، وخسارتهم الملايين الكثيرة حتى الآن .
لهذا تكالب أعداء الله - عليهم لعائن الله - بنشر تلك الصور في صحف أوروبية كثيرة ، محاولة منهم فَكَّ هذه المقاطعة ، وإضعاف عزم المسلمين وتشتيت أمرهم ، بإلزامهم أنفسهم بمقاطعة الدول الأوروبية مجتمعة أو تركها كلها ! حِيْلَةٌ خبيثةٌ كان قد سَنَّهَا لأسلافهم إبليسُ في ليلة مُهاجَر النبي صلى الله عليه وسلم ، حين أشار على كبار كفار قريش ، اشتراك رجل من كل قبيلة في قتل النبي صلى الله عليه وسلم ، ليضيعَ دَمُهُ في القبائل كُلِّهَا فلا يُطْلَبُ !
لذا فإني أرى أَنْ يُعاقبَ هؤلاء بنقيض قصدهم ، فتستمرّ مقاطعة الدنماركيين وهذا واجب لا محالة ، فإنهم هم الذي سَنُّوا هذا الأمر . أما بقيَّة الدول الأوروبية : فقد عَلِمَ المسلمون ما تُكِنُّهُ نفوسُهم الخبيثة لنبيِّهم صلى الله عليه وسلم ، فيحرص كُلّ مسلم ألا يشتري من بضائعهم إلا ما تدعوه الحاجةُ إليه إِنْ لم يجدْ بديلا من صناعة غيرهم .
كما أغاظتْ هذه المقاطعة كثيرا من المنافقين ، فحاولوا تارة التبرير ، وتارة التهوين ، وتارة بزعم الإصلاح وإرادة الخير !
1 - فمن زاعم أَنَّ المقاطعة ستقطع الحوار معهم !
وهذه كذبةٌ بلقاء ، وحيلةٌ بلهاء ، فإنَّ الله عز وجل لم يَأْذَنْ بالحوار مع الكفار إلا ببنائه على أصلَيْنِ اثنَيْنِ ، هما :
( أ ) دعوتهم إلى عبادة الله وحده لا شريك له ، والإيمان بنبيه محمد صلى الله عليه وسلم .
(ب) وبيان بُطْلان دينهم وفساده ، وأَنْ اللهَ لا يقبله منهم ، ولا يقبل غيرَ الإسلام .
لهذا قال سبحانه : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْاْ إِلَى كَلَمَةٍ سَوَاء بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلاَّ نَعْبُدَ إِلاَّ اللّهَ وَلاَ نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلاَ يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضاً أَرْبَاباً مِّن دُونِ اللّهِ فَإِن تَوَلَّوْاْ فَقُولُواْ اشْهَدُواْ بِأَنَّا مُسْلِمُونَ) .
وكانتْ حوارات النبي صلى الله عليه وسلم على هذا ، لهذا قال سبحانه : (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ حَتَّىَ تُقِيمُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيراً مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَاناً وَكُفْراً فَلاَ تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ) ، ولو أقاموهما لآمنوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وأسلموا ، كما قال عيسى عليه السلام لهم : (وَإِذْ قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُم مُّصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْرَاةِ وَمُبَشِّراً بِرَسُولٍ يَأْتِي مِن بَعْدِي اسْمُهُ أَحْمَدُ) .
وقال : (فَإنْ حَآجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُل لِّلَّذِينَ أُوْتُواْ الْكِتَابَ وَالأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُواْ فَقَدِ اهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاَغُ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ) .
فهل هذه الحواراتُ المزعومةُ ، شرعيةٌ مبنيَّةٌ على هذَيْنِ الأصلَيْنِ ، أو أنَّها غطاء لهدم الدين ، وموالاة الكفار والمشركين ؟!
2 - ومن منافق زاعم : أَنَّ سبب جناية تلك الصحيفة هو تقصير المسلمين أنفسهم في تعريفهم بالإسلام ! فمرادُه تبرئة هؤلاء المحادّين من جنايتهم ، أو تبريرها لهم ، وإناطة جُرْمِها بالمسلمين !
ولم يعلم هذا المنافق أَنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم - مع شهادة الله التامة له بإبلاغ الرسالة وإتمام الدين - لم يسلم من المستهزئين والساخرين ، قال سبحانه لنبيِّه محمد صلى الله عليه وسلم : (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الُمشْرِكِيْنَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الُمسْتَهْزِئِيْنَ) .
بل كُلُّ أنبياء الله كذلك ، قال تعالى : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُواْ مِنْهُم مَّا كَانُواْ بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ) ، وقال : (وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَأَمْلَيْتُ لِلَّذِينَ كَفَرُواْ ثُمَّ أَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كَانَ عِقَابِ) .
وقال : (وَيَصْنَعُ الْفُلْكَ وَكُلَّمَا مَرَّ عَلَيْهِ مَلأٌ مِّن قَوْمِهِ سَخِرُواْ مِنْهُ قَالَ إِن تَسْخَرُواْ مِنَّا فَإِنَّا نَسْخَرُ مِنكُمْ كَمَا تَسْخَرُونَ) .
وقال لنبيِّه صلى الله عليه وسلم : (بَلْ عَجِبْتَ وَيَسْخَرُوْنَ) .
3 - ومِنْ منافق زاعم : أنَّه يعارض المقاطعةَ إِنْ كان بها إضرار بمصالح المسلمين !
ولا أدري ما هذا الضرر الفائق لمحادَّتِهم لله واستهزائهم برسوله صلى الله عليه وسلم ، وغير ذلك مـمَّا قدَّمنا . أم أن ضرره المترقَّب ما يخشاه من فضل مطعم ومشرب ! فلا أشبع الله إذن بطنَه .
ولو قُدِّرَ حصول ضرر - وهو غير مسلم -: فالواجب احتساب الأجر والصبر ، فإنَّ الجنة لم تُحَفَّ بالشهوات ، وإنما حُفَّتْ بالمكاره ، وإنما جهنم هي المحفوفة برغبات النفوس وأهوائها .
ومع هذا : لم يحصل بحمد الله ضرر ، بل حصل مِنْ نصرة الدِّين وخُذْلان الكفار والمنافقين ما تَقَرُّ به أعين المؤمنين . ولم ينفرد علوج الدنمارك بحمد الله ببضائعهم ، بل قد عَمَّتِ الخيراتُ بلادَنا وبلاد المسلمين من كل دولة وكل بلد ، غير ما في بلاد المسلمين من خيرات تُغْنِيْهم عمَّا في بلاد أولئك المجرمين .
وإنما هذا المتكلم قد أعمى الله بصرَهُ وبصيرتَهُ ، ومُلِئَ قلبُه نفاقا وحَنَقًا ، فما يَسُرُّ المؤمنين لا يَسُرُّهُ وما يُؤْذِي الكفَّارَ لا يُؤْذيه ، وإنما سروره وضرُّه فيما يَسُرُّ أعداء الدين وفيما يَضُرُّهم . فَلْيَمُتْ بغيظه فليس في المؤمنين المُمْتلئة قلوبُهم بحبِّ الله وحُبِّ رسوله صلى الله عليه وسلم ، والذّبّ عن حماهما وشريعته مَنْ يُصْغِي إليه أذنا . غير أَنَّهُ أراد إلباس نفاقه لبوس الخشية على المسلمين ومصالحهم ! فاستتر بثوب خَلِقٍ بَالٍ ، لم يسترْ عورتَهُ ! فقد نَبَّأَنَا اللهُ من أخبارهم ما أظهرَ لنا جَهْرَةً عوارَهم !
فَصْلٌ
وبقي هنا أُمورٌ ، مُبَشِّرَاتٌ وتنبيهاتٌ :
إحداها : قال شيخ الإسلام في«الصارم المسلول» (ص117) : (وإِنَّ الله منتقم لرسوله صلى الله عليه وسلم ممن طعن عليه وسَبَّهُ ، ومظهرٌ لدينه ولكذب الكاذب ، إذ لم يُمْكِنِ النَّاسُ أَنْ يُقيموا عليه الحدَّ .
ونظير هذا : ما حدَّثناه أعدادٌ من المسلمين العدول ، أهل الفقه والخبرة عمّا جرَّبوه مَرَّاتٍ مُتعدِّدةٍ في حصر الحصون والمدائن التي بالسواحل الشامية ، لما حصر المسلمون فيها بني الأصفر في زماننا ، قالوا : « كنا نحن نحصر الحصن ، أو المدينة الشهر أو أكثر من الشهر ، وهو ممتنعٌ علينا ، حتى نكادَ نيأسُ منه ، إِذْ تعرَّضَ أهلُه لسَبِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، والوقيعة في عرضه ، فَعُجِّلْنَا فَتْحَهُ ، وتَيَسَّرَ ولم يَكَدْ يتأخرْ إلا يوما أو يومين أو نحو ذلك ، ثم يُفْتَحُ المكانُ عَنْوَةً ، ويكون فيهم ملحمة عظيمة» .
قالوا : «حتى إِنْ كُنَّا لنتباشرُ بتعجيل الفتح إذا سمعناهم يقعون فيه صلى الله عليه وسلم ، مع امتلاء القلوب غيظا عليهم بما قالوه فيه» .
وهكذا حدَّثني بَعْضُ أصحابنا الثقات : أَنَّ المسلمين من أهل الغرب حالهم مع النصارى كذلك .
ومِنْ سُنَّةِ الله : أَنْ يُعَذِّبَ أعداءَه تارةً بعذاب من عنده ، وتارةً بأيدي عباده المؤمنين) .
قال (ص164) : ( ومِنْ سُنَّةِ الله : أَنَّ مَنْ لم يُمْكِنِ المؤمنون أَنْ يُعذِّبوه من الذين يؤذون الله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، فإن الله سبحانه ينتقم منه لرسوله صلى الله عليه وسلم ، ويكفيه إيّاه . كما قدَّمنا بَعْضَ ذلك في قصة الكاتب المفتري ، وكما قال سبحانه (فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الُمشْرِكِيْنَ إِنَّا كَفَيْنَاكَ الُمسْتَهْزِئِيْنَ ) .
والقِصَّةُ في إهلاك الله واحدا واحدا من هؤلاء المستهزئين معروفة ، قد ذكرها أهلُ السِّيَرِ والتفسير) اهـ .
الثّانية : أَنَّ مع ما في طعن هؤلاء المحادّين من شَرٍّ وإغاظة للمؤمنين ، إلا أَنَّ فيه خيرا عظيما ، فقد أظهر هذا أمورًا خافيةً على كثير من الناس لعدم تدبّرِهم كتابَ رَبِّهم جلَّ وعلا .
ومِنْ تلك الأمور الحسنة :
1 - أنهم عرفوا حقيقة دعاوى كثير من الأدعياء لمحبَّة الله ورسولِه صلى الله عليه وسلم ، الواقفين مواقف الرّيبة من هذه الجريمة ، إمّا بالسّكوت ، أو التّبرير ، أو التّهوين .
2 - وعرفوا عداءَ أولئك الصليبين للإسلام وأهله ورسوله صلى الله عليه وسلم ، بعد أَنْ عَمِيَتْ أعينُ كثيرٍ من الناس عن ذلك ، بتزيين أهل الأهواء والنفاق لأولئك . وإلا فإنَّ الله قد أخبر في كتابه مُحذِّرًا عبادَه المؤمنين منهم فقال : ( مَّا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلاَ الْمُشْرِكِينَ أَن يُنَزَّلَ عَلَيْكُم مِّنْ خَيْرٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَاللّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَن يَشَاءُ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) .
وقال : (وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّاراً حَسَداً مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ) .
وقال : (وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ) .
وقال : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لاَ يَأْلُونَكُمْ خَبَالاً وَدُّواْ مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاء مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الآيَاتِ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ) .
3 - وعرفوا قوَّتهم ، وكيف استطاعوا النيلَ من أعدائهم وإذلالهم ، وتشتيتَ كلمتهم وتفريق أمرهم .
الثّالثة : أَنَّ كُلَّ مُتكلِّمٍ بلسان الدّين أو أهله ، بمسامحة أولئك الجناة المحادّين ، أو مسامحة دولتِهم إِن اعتذرتْ أو اعتذرتْ صحيفتُها ، ونشرتْ ذلك في كبرى الصحف أو في غيرها من وسائل الإعلام : فهو إِمَّا منافق ، وإمَّا جاهلٌ مُركَّب .
فالأول : معروفٌ سِرُّ سعيِه بالمسامحة !
والثاني : تنازلَ وسامحَ في شيء ليس من حَقِّهِ ، وليس الأمر فيه إليه ، وقد قدَّمنا ذلك ، فالمقاطعة ماضية لا غاية لها ولا نهاية .
الرَّابعة : قد سَمَّى بَعْضُ أهل البدع والأهواء ، غَضَبَ المؤمنين لنبيِّهم صلى الله عليه وسلم ، واغتياظَهم ممّا نُشِرَ في حَقِّهِ « تقاليد تفرض على أولئك التقدّم باعتذار صريح ينشر في كبريات الصحف العربية » !
وهذا باطلٌ من وجهَيْنِ :
أحدهما : أَنَّ هذا شَرْعٌ من عند الله ، دَلَّ عليه الكتاب والسّنّة والإجماع ، ومَنْ لم تُحْدِثْ عنده تلك الأفعالُ غضبا ولا غيظا فليس بمؤمن . وليستْ تقاليدَ وأعرافًا إِنْ فُعِلَتْ أو تُرِكَتْ فالأمرُ فيها سيان !
الآخر : أَنَّ الاعتذار من الحكومة أو الصحيفة ليس مُسْقِطًا لحقِّ الله جَلَّ وعلا ، ولا حَقَّ نبيِّه صلى الله عليه وسلم ، ولا حَقَّ المسلمين أجمعين . وليس حُكما من الله تبارك وتعالى في شاتمي رسوله صلى الله عليه وسلم والنائلين من جنابه الشَّريف . وإنما هو شَرْعٌ شَرَعَهُ ذلك الفاسدُ ، مُضاهيًا به شَرْعَ الله وشَرْعَ رسولِه صلى الله عليه وسلم ، مُنزلاً حُكْمَهُ هو مكانَ حُكْمِهما !
ومُحاولةٌ منه فاشلةٌ : أَنْ يُظْهِرَ لأعداء الله مَخْرجًا مما وضعوا أنفسَهم فيه ، وأَنْ يُظْهِرَ نفسَهُ لهم أَنَّهُ الدَّالُّ إليه والدَّليل عليه !
الخامسة : أَنَّ الأمَّة مجتمعةً فيها قُوّةٌ وخيرٌ ، وأنَّها إذا اجتمعتْ على الحقِّ عجز فيها عدوُّها أَنْ ينال منها أو يخيفَها ، فإظهار هؤلاء الكفار في صحفهم الأوروبية الطعنَ والاستهزاءَ بالنبي صلى الله عليه وسلم عَلَنًا ، جَعَلَ المسلمين مُتّحدين في عدائهم ، مُستشعرين خطرَهم وكيدَهم ، وجعل أعداءَهم مُتذبذبين خائفين مِنْ عواقب ذلك وتبعاتِه عليهم . فكُلُّ ما كان عداء أعداء الله للمسلمين ظاهرا : كان تعاونهم على مدافعتِه عظيما .
وكُلُّ ما كان عداؤهم للمسلمين مُستترا تحت أغطيةٍ يصنعونها تلبيسا ، أو يصنعُها لهم المنافقون من علمانيين وليبراليين وغيرهم : كان ذلك مُشَتِّتًا لكلمة المسلمين مُفرِّقًا لاتّحادِهم وتعاونهم لمدافعة عدوِّهم ، حَتَّى يُؤْخَذُوا دَوْلَةً دَوْلَةً !
السَّادسة : أَنَّ إطلاق الغَرْبِ مُسمَّى «الإرهاب» لا يُريدون به المعنى الذي نريده نحن عند إطلاقنا له في المملكة ، وإنَّما يُريدون به الإسلامَ ونبيَّه صلى الله عليه وسلم ، يَظْهَرُ ذلك من رسومِهم للنبي صلى الله عليه وسلم ، حين صوَّروه بِصُوَرٍ تَدُلُّ على مُرادِهم !
لذا فالواجب في هذا أَحَدُ أَمْرَيْنِ :
1 - إِمَّا الاقتصارُ على الألفاظ الشرعية ، الدّالة على المعنى المُراد ، كالحرابة ، والمحادّة ، ونحوهما ، وتَرْكُ لفظ «الإرهاب» . لمعرفة مدلول تلك الألفاظ ، وجهالة مدلول الأخير ، وتنازع النّاس فيه دولاً وأفرادًا .
2 - وإِمَّا حَدُّهُ عالميًا بِحَدٍّ مُنْضَبِطٍ ، وتعريفه بتعريف بَيِّنٍ ، ثم إطلاقُه عليه ، إِنْ كان ذلك الحدُّ مُسلَّمًا صحيحا .
السَّابعة : أَنَّ أعداء الله المحادّين له لم يجدوا عُذْرًا يعتذرون به على قبيح فَعْلَتِهم وعظيم جُرْمِهم ، إلا سماح قوانينهم بحرّيّة التعبير وحرّيّة الصحافة ! ومع أَنَّ هذه حُجّةٌ مدحوضةٌ ، فليس كُلُّ مَنْ أراد شيئا في الغَرْبِ قاله ! كما أنهم لا يسمحون لغيرهم بقول ما يريد إذا كان مخالفا لهم .
فَمَعَ هَذَا كُلِّهِ : فيجب على المسلمين أَنْ يتنبَّهوا إلى ما يُرَادُ بهم مِنْ سَعْيٍ إلى فتح حُرّيّة التعبير المُطلقة عندهم وفي وسائل إعلامِهم ، التي يُراد منها تمرير الكفر والمحادّة لله ولرسوله صلى الله عليه وسلم ، والإذن به ، ولا يظنون أنهم بها يستطيعون قول ما يريدون مما يخافون قولَهُ ويخشون عاقبتَه . وإنَّما يُسلِّطون أعداءَهم عليهم ، وهم لا يستفيدون مِنْ ذلك شيئا !
وَفَّقَ اللهُ المسلمين لما يُحِبُّهُ ويرضاه ، ونَصَرَ دينَهُ ، وأعلا كلمتَهُ ، وأعزَّ جُنْدَهُ ، وأهلكَ أعداءَه ، ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ، ولكنَّ المنافقين لا يعلمون ، وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون .