ذهبت إلى الطبيب بعد أن أضنتني آلام شديدة في جسمي وبعد الفحص والتحليل وصف لي مضادا حيويا؛ أخذت أبحث عنه فلم أجده إلا بعد جهد وعناء، وكنت مندهشا لعدم وجوده وهو دواء مشهور ومتوفر، ولكن الدهشة زالت عندما عرفت أنه صناعة دنمركية وأن الشركة أوقفت استيراده تضامنا مع حملة نصرة النبي صلى الله عليه وسلم.
اتصلت بدوري بالطبيب على أمل أن أجد البديل فقال لي: إنه أفضل مضاد لمثل حالتي.
دار صراع عنيف بين آلامي المبرحة وبين مبادئي وكرامتي وحنقي على هذه الدولة؛ فقلت في نفسي: نعم إننا أمة عليها الكثير والكثير من الواجبات والتضحيات كي تقدمها في سبيل نصرة دينها ونبيها ؛ إلا أنني شعرت بوخزة في صدري أنستني تلك الآلام وأنا أفكر أننا أحيانا كثيرة وكثيرة نسلك الطرق السهلة السريعة النتائج الآنية التأثير وهذه دون شك طبيعة بشرية (وخلق الإنسان عجولا).
وأخذت أتأمل في نتائج الحملة الأولى للدفاع عن نبينا وحبيبنا صلى الله عليه وسلم فوجدت أن الخير فيها كثير ولا يخفى على منصف؛ إلا أن كثيرا من ألويتها يصح أن يقال عنه(أن السعفة سرعان ما احترقت) ولم يبقى منها إلا الرماد الذي يحاول أن ينفخ فيه لإضرام جذوته مرة أخرى , ونحن على أعتاب حملة جديدة , أقول هذا الكلام وقلبي يحترق ألما على تطاول من لا دين لهم ولا خلاق على مقام النبي صلى الله عليه وسلم .
وأخذت أتساءل إلى متى تبقى الأمة في خانة المدافع ومربع ردود الأفعال ؛ إلى متى تبقى الأمة قصيرة النفس مشتت الذهن يفرض عليها مكان وزمان المواجهة .
أوليس في ثقافة الأمة ( أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل ) ؛ أولم تقل عائشة رضي الله عنها كان رسول الله صلى الله عليه وسلم( إذا عمل عملا أثبته) ؛ أوليس في عقيدتها( وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآَخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لَا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تُظْلَمُونَ). [الأنفال:60].
يقول ابن كثير في تفسيره-( "ما استطعتم" أي مهما أمكنكم)، أي إلى أقصى حدود الطاقة، بحيث لا يقعد عن سبب من أسباب القوة بالمعنى الشامل للقوة وبصورة منتظمة ومستمرة.ولا أظن أن العمل العشوائي الغير منضبط بأهداف ورؤىً مستقبليه عميقة من الإعداد في شيء ؛ ولا أظن أن العاطفة الجياشة التي سرعان ما تتلاشى والتي لا رصيد لها من التأمل والتفكر من الإعداد في شيء.
ثم أخذت أتأمل في سيرته صلى الله عليه وسلم كيف كانت له نظرة استراتيجية مذهلة في تعامله مع أعدائه وخصومه ؛ فهاهو يوقع صلح الحديبية ببراعة وحنكة مع قريش وتأتي النتائج الرائعة بعد عدة سنوات , وهاهو يرقب صراع الروم والفرس ويستشرف المستقبل من خلاله , و يعقد المعاهدات مع اليهود بعلم ودراية بأخلاقهم وطبائعهم , و يراسل الملوك بعزة وفقه للمرحلة , ويرسل الصحابة إلى الحبشة عند ملك لا يظلم عنده أحد بدراية وفقه سياسي عجيب , ويبين لنا بنظرة استراتيجية ثاقبة مستقبل الصراع مع الفرس والروم وهو في المدينة وهم على بعد آلاف الكيلومترات ؛ والصحابة يستمعون لكلامه بدهشة أن فارس نطحة أو نطحتان وأن الروم ذات القرون كلما هلك قرن خرج قرن أي أن الصراع مع الروم طويل ومرير .
وأخذت أجول بفكري في آمالي هل تتجاوز الأمة قنطرة النظرة العاطفية السطحية العبثية إلى ضفة استبانة سبيل المجرمين بعمق ودراية وحنكة , هل تتجاوز الأمة مرحلة ردود الأفعال العشوائية صفرية النتائج غالبا إلى مرحلة التخطيط الطويل الأمد الأكيد النتائج بإذن الله إذا قرن بصبر ويقين . ألم يقل علماؤنا (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين) ، نعم الصبر على طول الطريق وعدم استعجال النتائج (قال موسى لقومه استعينوا بالله واصبروا إن الأرض لله يورثها من يشاء من عباده والعاقبة للمتقين) , واليقين بموعود الله ورسوله الذي يقول (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلا أدخله هذا الدين بعز عزيز أو بذل ذليل عزا يعز الله به الإسلام وذلا يذل به الكفر)
فأخذت أردد في نفسي (بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين) وتنال العزة والتمكين, وأفقت على صوت الصيدلي وهو يقول لي ثمن الدواء يا أخي فنظرت إلى الدواء نظرة أخيرة نظرة مودع، وكأن الألم قد انسل من جسمي على استحياء وأنا أقول نعم بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.