يتعرض الفرد والأمة دائماً وباستمرار إلى عوارض متعددة وظروف طارئة، ويتفاوت أثر ذلك بحسب طبيعة المؤثر
الجديد وبنيان الفرد والأمة والعوامل المساعدة، وقد ينتاب الفرد أو المجتمع مرض عارض ويزول بسرعة دون أن يترك أثراً ما وقد يصاب الفرد بمرض معين فيقتصر عليه ولا يمتد إلى المجتمع ولا تحس الأمة به، وقد يتحول من الفرد إلى المجتمع فيصبح مرضاً قاتلاً ووباءً فتاكاً، ومن هذه الأمراض الفتاكة التي يشترك فيها الفرد والمجتمع وتنذر الأمة بالويل والدمار مرض الوهن.الوهن: هو الضعف في العمل والأمر والعظم، ورجل واهن: أي ضعيف في الأمر والعمل(1)
جاء ذكر الوهن ومشتقاته في القرآن الكريم عشر مرات وجاء المعنى المقصود به الوهن هو الضعف ودعم التمسك وقد ضرب الله مثلاً يوضح به الضعف في صورة مادية ملموسة ومرئية لبيت العنكبوت فقال: "مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتاً وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ" (العنكبوت:41) فمجرد الالتجاء إلى غير الله _تعالى_ ضعف كالالتجاء العنكبوت إلى بيتها، والعنكبوت حشرة ضعيفة لا قوة لها ولا حماية وبيتها من عملها فالضعف لا يولد قوة فبيتها أضعف البيوت لأنه لا يدفع عنها حراً ولا برداً ولا أذى.
يتعرض الفرد والأمة دائماً وباستمرار إلى عوارض متعددة وظروف طائرة ويتفاوت أثر ذلك بحسب طبيعة المؤثر
الجديد وبنيان الفرد والأمة والعوامل المساعدة وقد ينتاب الفرد أو المجتمع مرض عارض ويزول بسرعة دون أن يترك أثراً ما وقد يصاب الفرد بمرض معين فيقتصر عليه ولا يمتد إلى المجتمع ولا تحس الأمة به
واستعمل القرآن الكريم أيضاً الوهن بمعنى الضعف المعنوي فبعد هزيمة المسلمين في موقعة أحد وجه الله لهم الخطاب بعدم الضعف النفسي من أثر الهزيمة وعدم التمادي في الحزن على الشهداء، قال _تعالى_: "وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران:139) فمداولة الأيام وتعاقب الشدة والرخاء محك لا يخطئ وميزان لا يظلم والرخاء في هذا كالشدة وكم من نفوس تصبر للشدة وتتماسك، ولكنها تتراخى بالرخاء وتنحل والنفس المؤمنة هي التي تصبر للضراء ولا تستخفها السراء وتتجه إلى الله _تعالى_ في الحالين وتوقن أن ما أصابها من الخير والشر فبإذن الله.
وقال رسول الله _صلى الله عليه وسلم_ عن الوهن وأسبابه: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ فقال: بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم وليقذفن في قلوبكم الوهن قال قائل: يا رسول الله وما الوهن؟ قال: حب الدنيا وكراهية الموت"(2).
وتعريف الوهن في هذا الحديث (حب الدنيا وكراهية الموت) فالعقوبة عقوبتان العقوبة الأولى انتزاع المهابة والعقوبة الثانية عقوبة الوهن هاتان العقوبتان من الله _تعالى_ الذي جعل المتخاذلين من المسلمين في كل المجالات في موضع الغثائية لا قيمة لهم تتقاذفهم أمواج المجتماعات المتحلقة من حولهم، وكل ذلك نتيجة الخواء والاستفراغ والتآكل الهيكلي للجسم المسلم فبعد أن كان ذو وزن وقيمة يخافه الناس مهابة وإجلالاً وتقديراً أصبح جسداً هيكلياً هشاً نحيفاً شاحباً تتدافعه الصيحات والأيدي، فالذي أوصل لمرض الغثائية ما هو إلا الاستجابة للدنيا بكل صيحاتها الاستجابة للنفس والهوى وللنساء وللمال وللمنصب والجاه ... وعدد ما شئت من المغريات والملهيات وهذا واضح في قول الله _تعالى_: "زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالْأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ" (آل عمران:14) وهذه الآية الكريمة تجمع كل ما يحتويه تعبير (حب الدنيا).
ونشأ عن مرض الوهن الحرص على تحصيل الدنيا بكل وسيلة وعلى جمعها بكل سبب وأصبح كل إنسان لا يهمه إلا نفسه وما يتعلق ببلاده وإن ذهب دينه ولهذا المرض العضال أسباب ومظاهر يمكن التحرز والابتعاد منه بعد معرفة تلك الأسباب والمظاهر الخطيرة المؤدية إلى إصابة الإنسان بداء الوهن وأهمها(3):
1- ضعف الإيمان:
فالإيمان جذوة تتقد في قلب الداعية فتقوده إلى كل خير وتنأى به عن كل شر فإذا ما ضعف الإيمان أو فقد فإن صاحبه لن يبالي بالمكرمات ولن يسعى للمعالي.
ثم إن ضعف الإيمان أو فقده أعظم ما يقرب الداعية ليرمي به في مستنقعات الوهن ويقلل بركة عمره وعلمه وعمله، فالإيمان بالله -عز وجل_ وبقدره خيره وشره وما أعدّه للمؤمن من الأجر والمثوبة أساس كل أمر يقوم به الداعية.
2- ضعف الغيرة على الحق:
فالغيرة الصادقة تبعث صاحبها إلى الفضائل وتنهض إلى محاربة الفساد بكل صوره وتأخذ بيده إلى مكافحة المبطل أو المفسد وتقويم عوجه في تثبيت وحزم.
أما ضعف الغيرة على الحق أو فقدها فنقيصة خطيرة تنزل بالداعية إلى الوقوع في الآفات كالوهن والكسل في الدعوة والخوف وغيرها.
3- الكسل في الدعوة.
وهذا من أعظم مظاهر الوهن فكم من المسلمين من يتوانى في الدعوة إلى الله مع أنه على درجة كبيرة من العلم والبيان تؤهله لنفع الناس والتأثير فيهم ودفع الضرر عنهم.
وكم ممن يدعو إلى الله من تضعفه نفسه ويصيبه الوهن وينكص على عقبيه عند أدنى عقبة تعترضه، إما من كلام الناس ولومهم وإما عن إعراضهم وقلة استجابتهم أو غير ذلك مما لا بد لمن يدعوا إلى الله من مواجهته والاستعداد التام لدفعه.
أين هؤلاء الدعاة من حياة الأنبياء والمرسلين ومن حياة العلماء العاملين والدعاة المخلصين؟
بل أين هم من العلمانيين ودعاة الانحلال والرذيلة والغرام والغزل ممن يضحّي واحدهم بكل ما عنده في سبيل الوصول إلى هدفه غير مبال بلوم اللائمين مع أنكم يا معشر الدعاة ترجون من الله مالا يرجون؟
4- التفريط في عمل اليوم والليلة:
التفريط هو التقصير في الأمر وتضييعه حتى يفوت وفي التنزيل: "أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّه" (الزمر: من الآية56) أي أنيبوا إلى ربكم وأسلموا له مخافة أن تصير إلى حال الندامة للتفريط في أمر الله.
وعندما يتلطخ ويتدنس الداعية_ والعياذ بالله _ فيصيبه الوهن ويكون غير محترس أو متحرز من المعصية لا سيما الصغائر تلك التي يستهين بها كثير من الناس ولا يولونها رعاية أو أهمية، وحينئذ فلا بد من العقاب ويكون العقاب بأمور كثيرة من بينها الإصابة بآفة الوهن والتفريط في عمل اليوم والليلة والتكاسل في أداء العبادات فيتكاسل في أدائه للوظائف العبادية التي ينبغي للمسلم الحفاظ والمواظبة عليها في اليوم والليلة حتى يخرج وقتها وتفوت مثل النوم عن الصلاة المكتوبة، ومثل إهمال النوافل الراتبة أو صلاة الوتر أو تضييع الورد القرآني والأذكار والدعاء أو المحاسبة لنفس والتوبة والاستغفار أو التخلف عن الذهاب إلى المسجد وعدم حضور الجماعة بغير عذر ولا مبرر أو إهمال عبادات أخرى أو إهمال الآداب الاجتماعية من عيادة المرضى وتشييع الجنائز والسؤال عما في الناس ومشاركتهم أحوالهم في السراء والضراء .. إلى غير ذلك من الطاعات والعبادات(4). فما يصيب الإنسان من وهن وما تصيبه من مصيبة فبما كسبت يداه يقول الله _تعالى_: "وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ" (الشورى:30)
5- الاستعجال:
ولا بد للمسلمين عامة ولحملة الدعوة خاصة أن يعتصموا بالصبر ويحذروا من الاستعجال فالنفس مولعة بحب العاجل والإنسان عجول بطبعه كأنه المادة التي خلق الإنسان منها قال _تعالى_: "خُلِقَ الْإنْسَانُ مِنْ عَجَلٍ" (الأنبياء: من الآية37) فإذا أبطأ على الإنسان ما يريده نفد صبره وضاق صدره ناسياً أن لله في خلقه سنناً لا تتبدل وأن لكل شيء أجلاً مسمى، وأن الله لا يعجل بعجلة أحد من الناس ولكل ثمرة أوان تنضج فيه فيحسن عندئذ قطافها والاستعجال لا ينضجها قبل وقتها فهو لا يملك ذلك، وهي لا تملكه ولا الشجرة التي تحملها إنها خاضعة للقوانين الكونية التي تحكمها وتجري عليها بحساب ومقدار، ولهذا خاطب الله رسوله بقوله: "فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ وَلا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ" (الأحقاف: من الآية35)
6- اليأس:
وهذا عامل آخر يجر الداعية إلى الوهن ويقع فيه كثير من الدعاة فهو من أعظم الآفات التي تعوق الدعوة فإن اليأس لا صبره له لأنه يدفع الزارع إلى معاناة مشقة الزرع وسقيه وتعهده هو أمله في الحصاد فإذا على قلب وأطفأ شعاع أمله لم يبق له صبراً على استمرار العمل في أرضه وزرعه وهكذا كل عامل في ميدان عمله وصاحب الدعوة والرسالة كذلك ولهذا حرص القرآن الكريم على أن يدفع الوهن عن أنفس المؤمنين فبذر الأمل في صدورهم: "وَلا تَهِنُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ" (آل عمران:139) وقال _تعالى_: "فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ" (محمد:35).
ولما أمر موسى _عليه السلام_ قومه بالصبر إزاء طغيان فرعون وتهديده أضاء أمامهم شعلة الأمل فقال: "قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ اسْتَعِينُوا بِاللَّهِ وَاصْبِرُوا إِنَّ الْأَرْضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (لأعراف:128).
ولما شكا خباب بن الأرت _ رضي الله عنه _ إلى النبي _صلى الله عليه وسلم_ ما يلقى من أذى المشركين شكوى تحمل الضيق والتبرم ضرب له النبي _صلى الله عليه وسلم_ مثلاً بما لقيه المؤمنون في الأزمنة الماضية ثم طرد عن قلبه اليأس وزرع فيه الأمل الخصب حين أخبره أن الله سيُتم هذا الأمر حتى يسير الراكب من أقصى الجزيرة إلى أقصاها لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه!!
وما ذلك إلا لأن الأمل أكبر معين على الصبر على طول الطريق ومشقاته وأن اليأس من أقرب الطرق إلى الوهن(5).
7- قلة الصبر:
لا شك أن أهل الإيمان وأهل الدعوة أشد تعرضاً للأذى والابتلاء في أموالهم وأنفسهم وكل عزيز لديهم فقد اقتضى نظام الكون أن يكون لهم أعداء يمكرون بهم ويكيدون لهم ويتربصون بهم الدوائر كذلك جعل الله لآدم إبليس ولإبراهيم نمرود ولموسى فرعون ولمحمد أبا جهل وأمثاله "وَكَذَلِكَ جَعَلْنَا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوّاً مِنَ الْمُجْرِمِينَ" (الفرقان: من الآية31).
فمن ظن أن طريق الدعوة مفروشة بالأزهار والرياحين فقد جهل طبيعة الإيمان بالرسالات وطبيعة أعداء الرسالات.
ولعل هذا الحسبان أو الوهم داخل نفوس بعض المؤمنين في العهد المكي بعد أن أصابهم من العذاب ما أصابهم فنزل قوله _تعالى_: "أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لا يُفْتَنُونَ" (العنكبوت:2)
بل في العهد المدني نجد أن القرآن ينفي مثل هذا الحسبان الواهم في مثل قوله _تعالى_: "أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ" (البقرة:214).
الجنة إذاً لا بد لها من ثمن وهي سلعة غالية فلا مضر من الثمن وقد رفعه أصحاب الدعوات من قبل فلا بد أن يدفعه إخوانهم من بعد دون أن يتطرق الوهن في قلوبهم.
8- المبالغة في تعظيم شأن الخوف:
فهذا السبب من أكبر الأسباب الداعية لإصابة الإنسان بالوهن فكم من الدعاة من أقصره الخوف عن الدخول في ميادين الدعوة وللقرآن الكريم أبلغ الكلم في تصوير حال الجبناء فلننظر إليه إذ يصفهم ويرينا كيف يذوقون موجات الفزع المرة بعد الأخرى فيقول "يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ" (المنافقون: من الآية4).
ويرينا كيف يظهر أثر الجبن في أبصارهم إذ يقلبونها وهم في ذهول من أدركه الموت، فيقول: "أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذَا جَاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشَى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ"(الأحزاب: من الآية19).
كما أن القرآن الكريم نعى على الجبناء ونبّه على أنهم قد فقدوا جانباً في رجولتهم قال _تعالى_ في توبيخ قوم تأخروا عن الجهاد في سبيل الله وقعدوا مع من لم يُخلقن للطعن والضرب: "رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ" (التوبة: من الآية87).
فهذا الخوف الذي ذكر خوف سلبي مانع من الدعوة ولهذا صح أن يكون سبيلاً إلى الوهن والفتور(6).
9- المبالغة في احتقار النفس:
فكثير من الدعاة مصابون بهذا الداء فالواحد من هؤلاء يبخس حظه ويبالغ في احتقار إمكانياته ولا يثق في نفسه البتة بل يرى أنه دون مستوى القيام بالدعوة وأنه لا قيمة لدعوته ولا أمل في نجاحه ولا يمكن أن يصدر منه عمل عظيم يسد ثغرة في ميدان الدعوة فهذا شعور بالوهن والضعف وصغر الشأن ومن شأنه أن يقتل الطموح ويفقد ثقة الداعية بنفسه فإذا هو أقدم على عمل شك في مقدرته وارتاب في إمكان نجاحه(7).
ومن طبيعة الناس أنهم يحتقرون من احتقر شأنه ويدوسون بأقدامهم من استذل وفي الوقت نفسه يحترمون المقدام الواثق من نفسه العالم بقدرها فالثقة بالنفس فضيلة وشتان بينها وبين الغرور الذي يعد رذيلة فثقتك بنفسك أيها الداعية تعني معرفتك الصحيحة بها وبمقدار ما تتحمله من أعباء الدعوة الإسلامية وما تلتزمه من واجبات، وكذلك عملك بما لديها من استعداد وملكات ومواهب حتى تتمكن من القضاء على الأوهام التي تعوق طريق دعوتك(
.
10- التقصير في الأخذ بمقومات النجاح:
إن التقصير في الأخذ بمقومات النجاح وأسباب الفلاح قد يؤدي إلى تسليط الوهن وسيطرته على القلوب ومن ثم إلى الفشل والإخفاق ويتولد من أثر ذلك بعض المفاهيم والأعمال الخاطئة فيسرع الرجل إلى الإعراض والنفور من الناس وبدلاً من أن يصبر أو ينقذ نفسه ويغير أسلوبه ويعالج خطأه نراه يلقي باللائمة على الناس ويحكم عليهم بالفساد والاستعلاء عن الحق وأنهم أعداء لله ولرسوله _صلى الله عليه وسلم_ ونحو ذلك مما حذر منه النبي _صلى الله عليه وسلم_ في حديثه الصحيح الذي قال فيه: "إذا قال الرجل: هلك الناس فهو أهلكهم"(9).
فلا بد من إعداد العدة البدنية والمادية والمعنوية وسائر أنواع العدة من جميع الوجوه حتى نستغني بما أعطانا الله _سبحانه وتعالى_ من الأسباب لنجاح دعوتنا.
11- صحبة الأشرار ومرافقة المخذلين والسفهاء:
ومن الأسباب المهمة التي تؤدي إلى تحكم الوهن في تصرفات الداعية هي صحبة أشرار الناس ومرافقة المخذلين والسفهاء فالصحبة السيئة تحسن القبيح وتقبح الحسن وتجر المرء إلى الرذيلة وتبعده عن كل خير وفضيلة ذلك أن المرء يتأثر بعادات جليسه فالصاحب ساحب.
ثم إن مجالسة الخذلين ومرافقتهم تنساق بصاحبها إلى الحضيض فكلما هم بالصعود عوقوه عن همته وثنوه عن عزمه تارة بالتخذيل وتارة بالتخويف وتارة بوضع العراقيل.
وقد صدق من قال:
وأشد ما يلقى الفتى من دهره
فقد الكرام وصحبة اللؤماء(10)
ومن الناس من إذا ابتلى بسيفه ساقط لا خلاق له. أخذ يجاريه في قيله وقاله مما يجعله عرضة لسماع مالا يرضيه من قبيح القول ورديئة فيصبح مساوياً للسفيه في سفهه إذ نزل إليه وانحط في مرتبته(11)
إذا جاريت في خلق دنيئاً
فأنت ومن تجاريه سواء(12)
وهناك أسباب أخرى كثيرة لتسلط الوهن على الداعية لا يسعنا ذكرها هنا بالتفصيل ومنها:
التهرب من المسؤولية، والتكلف والتصنع، والاشتغال بما لا يعني والانصراف عما يعني, والتحسر على ما مضى وكثرة التلاوم وقلة العمل، وكثرة الشكوى إلى الناس، والاسترسال مع الأماني الكاذبة، والتردد في أمور الدعوة وغيرها.
فالمقصود من ذكر ما تقدم هو تحقيق غاية الدعوة، والبعد عن الأسباب التي تقف أمام الداعية، فيجب الإقلاع عن تلك المظاهر والوسائل المؤدية إلى غرق سفينة الدعاة.